5/18/2013

الصدق، أو متى نكذب؟

نكبر مع الأيام، ونتعلم. نكون أفكار ونمارسها ونختبرها ونراجعها فنرفضها أو نؤكدها أو نعدلها. هكذا هو النضج.

في مرحلة سابقة - وطفولية - من حياتي كنت أفكر في نظرية تخص "الصدق والكذب"، رأيت أن الصدق هو الأصل، ولكن من الممكن أن نلجأ للكذب مضطرين في بعض الحالات. كنت أرى مثلا أن الطبيب يمكن أن يخفي على المريض مرضه حتى لا يؤلمه. وكنت أرى أنني يمكنني أن ألجأ للكذب لأخفي أمرا لا يهم أحدا غيري، وفي نفس الوقت لا أجرح مشاعرهم بقول "لا أريد أن أحكي" أو أي شىء من هذا القبيل.

ومارست ما آمنت به. أرى الآن أن هذه "النظرية" كانت نابعة أساسا من عقد ومشاكل نفسية تتلخص في إني "مش بحب أضايق الناس ولا أزعلهم".. كنت أضعف من هذا كثيرا، ورأيت في "الكذب" حق، حق شخصي على الأقل طالما كان في حدود المواقف الإضطرارية المذكورة سلفا.

‫"‬خلاص يا زيزي، طالما في حدود الإضطرار أكيد أكيد ربنا مش هيحسبها سيئة. طالما بتستخدمي الكذب لهدف نبيل، طالما الغاية أهم والنية طيبة.. ما هو بردو مش بكدب عشان بحب الكدب مثلا أعوذ بالله"

ظلت معي نظريتي، التي لا أحكيها للناس - لأنهم مش هيفهموا!، ظلت معي لفترة من الزمن.. استخدم الكذب في حدود تأمين حريتي الشخصية في عدم الحكي.

هذه الممارسة، كان أثرها علي كالتالي: لسان عرف طريق الكذب. صحيح أن لدي قلبا واعيا ومصرا على استخدام "الكذب في حدود" ولكن، مجرد استمراء الكذب أصبح مؤلما، والاستسهال جعلني أكذب في أمور لا تستحق حقا أي كذب لمجرد إني مكسلة أجاوب أو أرد!

وفي مرة، راجعت فكرتي عن الصدق والكذب. أعتقد أنها بدأت مع فكرة قديمة نوعا الأن أنني قررت ألا أخذ علاجا إذا أصبت بالسرطان. وهنا خطر ببالي الفكرة القديمة! رفضتها تماما، أنا من حقي كمريضة أن أعرف مرضي وأن أقرر علاجي من عدمه، كوني أحزن أو لا أحزن أمر يعود لي أيضا، كما أن المرض ابتلاء من الله، كيف يمنع عن الطبيب اختبار الله لي بالصبر والرضا وألا يخبرني بمرضي، وكمان يعالجني منه دون أن أعرف!

وطبعا، مع الزمن اكتشفت أن من حقي أيضا أن أقول "لا أريد أن أحكي، أو لا أريد أن أجيب"، وإن الناس إذا لم تحترم حقي في عدم الكلام "يتفلقوا".. لم أعد أخاف على مشاعر الناس بتلك الحساسية المفرطة كما كنت أفعل في الماضي. كما أنني تعلمت أنني لست مهمة لهذه الدرجة، ربما لا يهتمون بالإجابة أصلا وأن السؤال كان من باب الدردشة، تضييع وقت.

اكتشف أن الصدق أهم في كل الحالات..

كان هذا أفضل ما حدث لي على الإطلاق.. اكتشفت نظريتي الجديدة.. "الصدق حرية، الصدق نور، الصدق دائما وأبدا"

صدقي مع الآخرين وصدق الآخرين معي يضمن لي حريتي في الاختيار.. حريتي في القرار، حريتي في حياتي.

الصدق نور في القلب، والنعمة من غير أي مبالغة أو تزويق كلام

فهمت تماما قول سيدنا محمد (ص): إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ , وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِدِّيقًا . وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا

No comments:

Post a Comment