5/27/2013

السؤال


ذكرتني تدوينة لست أدري الأخيرة، بسؤالها الذي ظلت تسأله لكثير من الناس في رحلتنا إلى المغرب.. كانت عندما تلتقي أحدا تسأله عن سر الانتماء للوطن "لماذا ننتمي للوطن؟".. "ما هو الانتماء؟" .. وكنت أنا أترجمه "ما هو الوطن؟"

عندما سألتني هذا السؤال، هيىء لي أنها تقدمني لصديق قديم. تقابلت أنا وهذا السؤال من قبل. وأزعم أن لدي إجابة..

في هذه المدينة البعيدة على أطراف قارة أخرى، قضيت ٣ أشهر يطاردني هذا السؤال، ويصاحبني في الطرقات النظيفة الخضراء، ويحملق في البنايات الجميلة، وكلها جميلة.. ويصعد معي الباص ويجلس بجواري فيه ويقتحم معي مقر عملي ويسبقني إلى مكتبي، فيمارس عاداتي الصباحية مثلي تماما حتى أن قهوتي يتناول نصفها. ما هو الوطن؟

أحببت تلك المدينة كثيرا. وأرى بيقين الأنبياء الفرق بينها وبين وطني، ودائما ما تدور مقارنة بينهما يخسر فيها وطني خسارات فادحة. لماذا إذن هذا الحنين إلى الوطن؟ لماذا أصبت بحمى الحنين للوطن في آخر أسابيع هناك فأصبحت لا أطيق المكان؟ لماذا لا يخلق حنين مماثل للمدينة البعيدة على أطراف القارة الأخرى؟ لماذا لا يغلب هذا الحنين ذاك الحنين وأظفر بوطن جديد؟

لماذا أنت أيها الوطن؟ أنت تحديدا.. أنت دون غيرك؟

لن أطيل عليك، السر كما أعتقد هو "الألفة" أو The Familiarity، فنحن نألف البيت الذي نشأنا فيه دون أي بيت آخر، والشارع الذي تربينا فيه هو الشارع الأساسي في العالم، والمدينة أو القرية التي تجولنا فيها من صغرنا هي أصل كل المدن أو القرى.. الألفة يا عزيزي، الألفة هي السر.

والألفة شعور غال ندفع فيه عمرا كي نناله. والأصعب أن نستبدل ما ألفنا بشىء جديد.

الألفة هي الوسيط وهي القيد وهي الدليل، الألفة تجعلنا نرى في أوطاننا ما لا يراه الغرباء. الألفة تجعلنا لا نرى في أوطاننا ما يراه الغرباء.

الألفة فيها جمال وقبح وهدوء وصخب وحماية واستسلام.. الألفة تجعلنا ننام بملىء جفوننا في وطن به إنفلات أمني.

الألفة هي اللغة الأولى التي نتكلم بها مع الوطن، تماما كاللغة الأم، هي التي تكون بها وتشكلت طريقة النطق واللسان والجهاز الفموي كله، فلا يكون لأي لغة أخرى اليد العليا عليها.

تقول الأساطير التي تسبح في خيالي، أن الألفة تتكون في السنوات الأولى من العمر، وبها نربط كل الأشياء ببعضها وبنا. وبسبب ذلك نشعر بالحب والحنين والانتماء ولا نرى لهم سببا ملموسا.. ألفة الأشياء تماما مثل خارطة الحب، تُعجزنا أمام شىء ما نشعر أننا نعرفه منذ زمن بعيد - أو لا نشعر ولكننا بالتأكيد نعرفه منذ زمن بعيد.

إجابتي ليست نهائية، لا توجد إجابات نهائية في هذا العالم. ولكنها حتى اليوم تبدو لي الأكثر منطقية. أدعوك لطرح السؤال والبحث فيه جديا ووضع إجابتك الشخصية.

1 comment:

  1. اتفق معك، هي الألفة

    والدليل أني مازلت أحن لتلك المدينة البعيدة التي قضيت فيها عشر سنوات من عمري، مع أني فور وصولي إليها كنت أحن ثانية إلى الوطن!


    أما من عاش طول عمره خارج وطنه، فحنينه إليه ربما يكون كالأمير الذي حب الأميرة بسبب حكايات الناس عنها وصورة رآها لها يوماً...

    ReplyDelete