4/18/2009

جريــاً

يمتلكُ القدرة على السخريةِ.. يمتلك الدنيا، يفردُ على ضوء وجهِها ظهرهُ ويسخر، يثأر. إذا سار إليها، تحرك بمحاذاةِ البُعد. وإذا استسقى للتَزوُد، خلعَ نَعليهِ بين رَشفتَين وجرى. فإذا اطلقَ ساقيه، تَلقفَتهُ هتافاتُ الشَتات..

الجريُ مهارةٌ ونَفسٌ طويل، ورغبةٌ مُزدوجة للهروبِ والوصول، وفاصلٌ دائم للوحدة. وإعلانُ حبِ، وكراهية.. وديمومةُ وَجدٍ مُتقطِعة. تَنفرِِدُ الساقين وتنثنيان، فيدوخُ الهواء بفعل الحرج والتوهان.. تَنتعش الساقان.. ويُكمِلُ جَرياً. كأنهُ مُنذ صباح اليومِ الأول يجري، ولم تخذله آلاف ُالصباحات يوما.

تتمدد الذاكرة، تَنتشر. تَتسربُ للساقين قَصصُ الماضي، تدوسُ عليها. تَتفتت، تَتبعثر في تيه الهواءِ المحيط. الجريُ لا يحملُ للذاكرةِ فضلاً. الجريُ ضِدَ أفعال الوراء، وحروف الجر للخلف. الجريُ عميلٌ مُزدوج المهام، عليه تنظيم دقاتِ القلبِ وعليه النظر الدائم للأمام. 

يمتلكُ القُدرةَ على السُخريةِ.. من يمتلكُ القدرةَ على الجريْ

اجر إذن كأن تُدرِكُكَ هَراوةٌ مُلتَبِسة أو غَضبَة مُنعَقِدة على جَبينِ أحدِهم. اجر في جماعة. اجر وحدك. اجر في المكان. اجر كمن يهرب من فرحةِ لقاء، من جريمةِ سَرِقة، أو لُعبة كُرة مُنتهية بانتصارٍ أو هزيمة. اجر كَأنه الحل الوحيد. اجر في كل الحالات. امتلك الشوارع والحارات، حتى الصحراء التي لم ترها من قبل، والوديان التي لم تقع تحت قَدَمَيك بعد.. اجر عِرفَاناً بجميلِ كل الكتب التي لم تَقرأها عن كلِ المدنِ التي لم تزرها.. اجر على مسافةِ القُربِ من كل الصفحات، واترك أثر القدمين على الهوامش.. اجر بمُتعةِ التائهِ نُكرانا لجَميل الخرائط، والبوصلات والنَجم القُطبي.. إجر كمُشَرد نحيف أنهكهُ المطر واكتشفَ السُخرية..

No comments:

Post a Comment