4/16/2010

القدس ٤٨.. كما يحكي لنا عنها مندوب الصليب الأحمر

الكتاب: القدس ١٩٤٨
الكاتب: جاك دي رينييه
ترجمة: نبيل سعد
دار النشر: أخبار اليوم - قطاع الثقافة
نشر الكتاب بلغته الأصلية أول مرة في عام ١٩٦٨
ونشر مترجما إلى اللغة العربية ٢٠٠٠
-‫-----‬

اشتريت هذا الكتاب من معرض الكتاب سنة ٢٠٠١ - كنت أقوم بتأريخ الكتب التي أشتريها من المعرض تحديدا- كنت وقتها لا أزال في الجامعة، وكنت أقرأ الكتاب بنهم.. ربما أعدت قراءته أكثر من مرة، كنت أقرأه وأنا أتخيله فيلما سينمائيا.. حتى أنني اليوم أجد على هوامش الكتاب وبين أسطره ملحوظاتي التي تركتها في حال تم تحويل هذا الكتاب لسيناريو، فهو لا تنقصه الإثارة، والأكشن، والدراما، والمأساة، والحبكات البوليسية أيضاً، فوق كل هذا الكتاب واقعي من أوله لآخره، كتبه رجل محايد، والحياد كانت صفة عمله الأساسية كممثل للجنة الدولية للصليب الأحمر..

"يتعين عليّ الانتظار وبذلك يتاح لي بعض الوقت للتفكير. ومن جديد أسأل نفسي ما هي الأسباب التي جلعتني أضع نفسي في مثل هذا الموقف ما الذي دفعني بالتحديد إلى أن أقف وسط اثنين من الأعداء في اللحظة التي يتقاتلان فيها بشراسة، يوم عيد الفصح بالقرب من بيت لحم، أي في مكان يثير فينا ذكرى سليمان فيدعونا ذلك إلى أقصى تعقل في تدبر عواقب الأمور.. ما الذي يفعله بالله عليك مواطن سويسري وسط يهود وعرب قرروا أن يحلوا المشاكل بينهم بإطلاق رصاص بنادقهم؟ وإذا لقيت مصرعي وفي أحسن الأحوال بسبب رصاصة طائشة، ما هي الخدمة التي أكون قد أديتها للإنسانية؟ إني المندوب الوحيد للجنة الدولية للصليب الأحمر في البلاد"‬

‫هكذا نرى نظرته الحيادية.. "يهود وعرب قرروا أن يحلوا المشاكل بينهم بإطلاق رصاص بنادقهم".. نعم! فلنسمها حيادية، أعلم أن الرجل قد ألغى البدايات أو الأسباب بجملة واحدة.. وعلى الرغم من أنه قام ببساطة بوضع الجاني والمجني عليه في جملة واحدة كأنهما متساويان، إلا أن هذه في الحقيقة زاويته الوحيدة للرؤية، لقد هبط عليهم من سماء سويسرا لينقذ جرحى الطرفين، الأهم عندنا هو ما سوف يراه ويرويه خلال صفحات الكتاب…‬

"والذي حدث هو أن ليلة أمس ٢٧ مارس اتصلت بي السلطات اليهودية هاتفيا ترجوني أن أذهب لإحضار عشرين من الجرحى تقريبا… وبعد ساعتين من المحاولات حصلت على إمكانية استخدام عربة إسعاد عربية بسائقها، وكان هذا بمثابة نجاح حقيقي لي وهو أيضا لفتة في غاية النبل من العرب إذا تذكرنا أن الجرحى يهود"


وفي المقابل..

‫"‬في بداية شهر إبريل، سنحت لي فرصة الحديث مع قائد القوات اليهودية النظامية "الهاجانا". ادعى أن قواته تحترم اتفاقيات جنيف احترما مطلقا. ذكرت بعض الأمثلة التي تثبت أنه لا توجد فيما يبدو قواعد محددة: سيارات إسعاف عربية ضربت بالمدافع الرشاشة، كما اطلق النار على بعض المستشفيات، عدد كبير من المدنيين قتلوا، أو أخذوا كرهائن وسجنوا دون أن يتركوا أثرا… في نهاية الأمر أقر القائد العام أن زيارة الأسرى ( لديه أسرى إذن؟!) مستحيلة، لأنه لا يمكنه أن يثق في صمتي. بل إنه رفض أن يأخذني إليهم بعد وضع عصبة على عيني وكنت قد اقترحت عليه ذلك"

كانت هذه إحدى مهامه.. التي يرويها بالتفصيل في الفصل الأول من الكتاب. أما في الفصل الثاني فهو يعود بنا للوراء قليلا ليحكي كيف قررت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذهاب لفلسطين بعد أن ازداد وضع الحرب سوءا بعد قرار الأمم المتحدة بتقسيم البلاد مع العلم بأن العرب واليهود في فلسطين لم يكونوا ملزمين باتفاقيات جنيف. سافر الكاتب من سويسرا إلى القاهرة وقابل النقراشي باشا - بعدها بشهور قليلة اغتيل النقراشي - ومفتي فلسطين المقيم في القاهرة -لأنه ممنوع من الإقامة في فلسطين - وكذلك قابل عبدالرحمن عزام باشا أمين عام جامعة الدول العربية حيث أكد له عزام أن العرب - مسلمين ومسيحيين - من مبادئهم مساعدة عدوهم إذا لقى مصرعه أو جرح وبالتالي فإن تطبيق اتفاقيات جنيف سيتم بطريقة طبيعية تماما من جانبهم.

"بعد مرور بضعة أيام قضيناها في القاهرة، سافرنا إلى فلسطين. القدس تقع على ارتفاع ٨٠٠ متر وسط الجبال. هي مدينة جميلة. إلا أنها غير مرحبة بنا كثيرا في الوقت الحالي. الشوارع التي نمر منها فارغة من المارة. أبواب المحلات تم تحطيمها. الحطام من كافة الأنواع يفرش الأرض … نقيم في فندق جميعة الشبان المسيحيين، حيث المنظر العام غاية في الجمال، يمتد حتى نهر وادي الأردن وجبال شرق الأردن، نلمح أسفل الأسوار العتيقة للمدينة العربية، ببواباتها الضخمة، وفي الاتجاه المقابل، المدينة اليهودية المبنية على الطريقة الأوروبية"

هل أترك جاك يسترسل قليلا؟

‫"‬ لايمكن للمرء ان يمنع نفسه من الشعور بالأسى الكبير إزاء كل هؤلاء اليهود الذين ذاقوا أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى كل هذه الألام والعذاب المرير.. من لا يمكنه ادراك أنهم يودون بكل قواهم إنشاء مقر لهم… إلا أن المرء يتفهم أيضا المشاعر التي تتحرك في نفوس العرب ومعارضتهم لفكرة ترك أراضيهم وديارهم لمصلحة أشخاص أجانب يدعون حقا قديما مرت عليه ألفيتان، ولم يسمع عنه أحد من ذلك الحين. ليس للعرب أي اعتراض أن يعيش اليهود في فلسطين مثلهم مثل أي ناس طيبين آخرين، ولكنه بين أن يقبلوا هذا وأن يقبلوا إنشاء دولة جديدة بدلا من دولتهم فالبون شاسع. إن العرب يعيشون سادة أراضيهم منذ ألفي عام وهم مصممون على ألا يطردوا من أراضيهم دون الدفاع عنها بشراسة"
عموما، تشكر يا عم الحاج جاك.. ولكن الأهم من رأيه الشخصي في مسألتنا، هو شهادته، ما حكاه كشاهد عيان على كثير من الوقائع، أهمها.. دير ياسين

"اتصل بي الجانب العربي تليفونيا بعد ظهر يوم السبت العاشر من إبريل ١٩٤٨ وطلب من أن اهرع إلى دير ياسين لأن سكان هذه القرية من المدنيين العرب قد أبيدوا تماما في مجزرة وحشية…"

وبعد أن قام بمحاولات عدة للوصول للقرية وإقناع القوات اليهودية على اختلافها بضرورة ذهابه إلى هناك،

"وصلت بقافلتي… وأدركت أن فريق "التنظيف" قد قام بالتأكيد بمهمته خير قيام!! عندما حاولت دخول أحد المنازل أحاط بي عشرة من الجنود شاهرين مدافعهم الرشاشة وأمرني ضابطهم بعدم التحرك من مكاني موضحا أنهم سيحضرون لي الجثث إن هم وجدوا جثثا أصلا، عندئذ تملكتني ثورة لم يحدث لي مثلها في حياتي وصرخت في وجه هؤلاء السفاحين…ثم دفعت بعيدا كل من وقف في طريقي ودلفت إلى المتزل. الغرفة الأولى كانت مظلمة، كل ما بها كان في حالة فوضى… بعض الجثث كانت باردة.. واضح أن عملية "التنظيف" تمت بواسطة الرشاشات ثم القنابل اليدوية وانتهت بالسيوف… تكرر المشهد نفسه في الغرفة التالية. ولكن وإذ كنت أهم بمغادرتها، سمعت صوتا يشبه التنهد، رحت أبحث في المكان كله أبعد الجثث إلى أن لمست قدما صغيرة لا تزال دافئة، كانت لفتاة في العاشرة من عمرها أصابتها شظايا قنبلة يدوية بإصابات بالغة ولكنها مازالت على قيد الحياة وإذ هممت بنقلها منعني الضابط معترضا خروجي من الغرفة، فأزحته من أمامي وأنا أحمل حملي الثمين وفي حراسة حارسي الضخم الذي يبدو كدولاب جدتي."
...
"في كل مكان رأيت المشهد البشع، لم أعثر سوى على سيدتين أحياء إحداهما كانت جدة عجوزا تسمرت مختبئة وراء كوم من الأخشاب دون حراك لمدة أربع وعشرين ساعة على الأقل. كان يوجد في قرية دير ياسين أربعمائة فرد.. هرب منهم خمسون وبقى ثلاثة أفراد على قيد الحياة، أما الباقي فقد ذبحوا بطريقة علمية منظمة مع سبق الإصرار وبإرادة كاملة. إذ إني لمست بنفسي كيف أن هؤلاء الجنود كانوا تحت السيطرة التامة لا يفعلون سوى ما يؤمرون به"

"ولدي عودتي… إلى مكتبي وجدت رجلين يرتديان الملابس المدنية الانيقة جدا ينتظراني منذ أكثر من ساعة، قائد فصيلة إرجون (وهي الفصيلة التي ارتكبت مذبحة دير ياسين) ونائبه قدما لي نصا مكتوبا وطلبا توقيعي عليه، كان بيانا ينص على أنهم استقبلوني بكل تقدير واحترام وقاموا بكافة التسهيلات التي طلبتها منهم لإتمام مهمتي على الوجهة الأكمل ولذلك فإني أتقدم إليهم بالشكر والامتنان على الهذه المساعدات الكريمة!!!… وقالا لي بوضوح تام إذا أنا أردت أن أبقى حيا فعلي أن أوقع على البيان فورا،… أقنعتهما بأني أبعد ما أكون عن التمسك بالحياة، وان تقريرا مناقضا تماما لتقريرهما قد أرسل بالفعل إلى جنيف. كان لعملية دير ياسين هذه أثار هائلة.. نشأت عند العرب حالة من الذعر المتفشي، عمل اليهود ببراعة على إذكائها باستمرار… وكانت نتائجها مأساوية… في نهاية الأمر تحول سبعمائة ألف عربي إلى لاجئين تاركين كل شيء في تسرع عظيم بهدف وحيد هو تفادي لقاء نفس مصر أهل دير ياسين"

لنكمل في تدوينة قادمة قراءة مذكرات جاك دي رينييه مندوب الصليب الأحمر في القدس أثناء حرب ٤٨

9 comments:

  1. تسلم اﻷيادي يا ام هاشم

    ReplyDelete
  2. المشاهد البشعة كثيرة ومخزية في حق الإنسانية .. لكن كما تدين تدان والديان لا يموت

    ReplyDelete
  3. حقيقي هذه التدوينة رائعة

    فعلا من المفروض انك تشتغلي صحفية

    هههههههههههههههههههه

    ReplyDelete
  4. اختي زينب انا عملت الطريقة اللي انتي قولتيلي عليه وبجد بقي شكل المدونة افضل

    بس سؤال تاني هوة ايه الطريقة اللي تخلي مدونتي مشهورة

    يعني هل عليا اني اكتب تدوينات باستمرار ولا بزيادة اعداد الزوار اللي بتدخل المنتدي

    ياريت تقوليلي

    وشكراااا ليكي مرة تانية

    ودي مدونتي ياريت تزوريها وتقوليلي رايك فيها ايه وعيوبها كمان

    www.egy-4u.blogspot.com

    ReplyDelete
  5. ما هو اسم الكتاب الاصلي؟

    ReplyDelete
  6. محمد شدو
    اسمه: جاك دي رينييه

    ReplyDelete
  7. SmSm
    شكرا يا جميلة :)

    مش عارفة بالظبط ازاي ممكن تكون المدونة مشهور، اصلا انا مش عارفة ازاي ممكن نقيس الشهرة يعني او نقول ان المدونة الفلانية مشهورة والتانية لأ، انما اعتقد ان اهم حاجة في المدونة عموما انها تكون كلامك انتي وقناعتك انت وحريتك في انك تكتبي اللي عايزة تكتبيه.. وانك تكوني مبسوطة بده

    ReplyDelete
  8. طب ياريت تدخلي علي مدونتي وتقوليلي رايك اية؟

    وبعدين اقصد في الشهرة اني ازاي اخليها تبقي اول اسم في جوجل؟؟

    وشكرا ليكي يا جميلة......

    امووووووووووووووة

    هههههه

    ReplyDelete
  9. انا دورت الاول ما عرفتش الاقيه انا كان قصدي اسمه الاصلي عشان الواحد يقدر يلاقي المصدر في لغة اوروبية يعني لكن لاقيته
    Jacques de Reynier
    المشكلة في الاخر مش تاريخ المذابح ده مش هيفيدنا في حاجة
    ممكن يفيدنا بس في حوار مع اطراف تانية غير عربية لما بيكونوا خاضعين تماما للدعاية الصهيونية
    المشكلة الحقيقية هي القيادات العربية بما فيها القيادات الفلسطينية
    طبيعي ان المجرم يقتل ايه الجديد في كده يعني؟
    المشكلة مين بيديه الفرصة
    ومين بيدعي انه بيعمل عشان وطنه في حين انه خائن بس بشكل شيك
    فنقوم احنا عشان هو خاين شيك ننساه ونركز في المكان الغلط
    لو قوينا جهاز المناعة ما فيش فيروس هيقدر يقضي على الجسم

    ReplyDelete