الولولة والتعديد، أفعال الجاهلية التي نهينا عنها للتعبير عن الحزن لفقد عزيز.. تلح عليا صورتي وأنا أعدد وأولول وأهيل التراب من الأرض على رأسي ووجهي، ليس تعبيرا عن الحزن أو تنفيسا لغضب، ولكن محاولة للاعتذار لأطفال أصغر مني بعشر سنوات فقراء من قرى فقيرة ومن محافظات مصر الأكثر ظلما، جندوا اجباريا في الجيش وارسلوا للأمن المركزي في وزارة الداخلية ماتوا في قطار "معفن"..
لا أشاهد صور الحوادث أو الدم أو الوجوه المدهوسة، ولكن تتشكل أمامي خيالات من هذه لا أستطيع أن أهرب منها..
الحزن أكبر في كل مرة. أطفال أسيوط ومجندو البدرشين وشباب الاتحادية، وشهداءنا في كل نقطة صراع حتى ماسبيرو وبورسعيد
انتظر فبراير.. لتكتمل دائرة العجز، سنة كاملة، وبرلمان الإخوان يضيع حق شهداء أطفال ذهبوا ليشاهدوا ماتش كورة
العجز، إحساس مستمر.. أقول لنفسي سوف يغضب الناس إن آجلا أو عاجلا، ليس للإخوان
دية، ليس لحاكم دية، التعالي والتخوين وسلسلة القرارات الفاشلة
الإنتهازية المستمرة، والإصرار على عدم إصلاح البلد والتركيز على تمكين
رجالاتهم، كل هذا سوف تكون نتيجته شعبا غاضبا.. وأنا أنتظر أن يغضب لأخرج
مرة أخرى معه، إثنين وثلاثة وعشرة، وأثناء الإنتظار أقوم بدوري في
الحياة، وأثناء الانتظار استمتع بالحياة القليلة قليلا..
لكن تأتي تلك الحوادث، تلك الحوادث التي تتصيد الفقراء، أوَ لو كان الشهداء من أبناء الطبقة الوسطى، كنا رأينا ألف وائل غنيم في الشارع بملابس سوداء صامتين في سلاسل بشرية؟ ألا يجوز أن نفعل ذلك مع شهداء الفقر؟ ليس للفقراء جلال أو مهابة
أنتم تمنعون أنفسكم من الشعور أنهم موجودين.. كائنات تمروا بها مر السحاب،
هل نظرت في عيني سايس أو بائع خضار أو بائع متجول أو حتى من تأتي لتنظف لك
البيت؟ هل تنظرون في عيونهم؟ هل تتحدثون معهم؟
تحتاجون أن تشعروا أن الغلابة موجودين، انزلوا اركبوا ميكروباصات، اركبوا المترو أو القطارات درجة ثالثة، اخبط في كتف هذا الذي تبدو ملابسه رثة واجلس بجانب هذا الشاب الصغير الذي يضع جل رخيص في شعره، واجلسي في مواجهة الست اللي لابسه عباية سودة وحاطة قدامها شنطة خضار مهربدة
أنتم لا ترون الفقراء، إذا رأيتموهم انقذتموهم، وساعتها لن تتمكن حكوماتنا من الفرار بجرائمها
No comments:
Post a Comment