5/02/2008

برد خفيف


في البداية ظننت أنه برد خفيف، لكن منذ أمس أخذ يشتد علي حتى طار من عيني النوم ولزمت الفراش وأنا أحاول أن اتحايل عليه وألهيه باللاب توب وأقراص البرادورال التي ظللت أخذ منها الواحدة تلو الأخرى وأحافظ على مواعيد الأدوية الأخرى التي أقرتها لي والدتي.
بعد ظهر اليوم، انهارت كل اسلحتي أمام البرد الشرس الذي أتى على عنقي ورأسي وعظامي فهمد كياني كله وذلك بمساعدة درجة الحرارة التي ارتفعت.
فكان قرار أمي بالبدء في استخدام آخر اسلحتنا، مضاد حيوي سريع المفعول ولننتظر ولنرى
أخذت قرصا. ونمت ساعتين أو ثلاثة. النوم مؤلم الآن في حد ذاته. قررت أن أتسلى عن نوم مفقود وحيوية منقطعة بالاستمرار في قراءة رواية "السائرون نياما" لسعد مكاوي
كم هي ثقيلة تلك الرواية. أحداثها المثيرة ولغتها وتراكيبها الممتعة وشخوصها أيضاً. لكني اليوم كنت أضعف من احتمال ما تشقيني به من أحداث فرحت أقرأ جزء وأغمض عيني المرهقة. اتخيل نفسي في هذا الزمن المنقضي، منذ خمسمائة عام. يبدو أن هلاوس المرض التي أصابت عمرو، قد لحقت بي أنا الأخرى.
ولكن يا ترى من أكون من بين شخوص تلك الرواية. تصورت نفسي أحد الحرافيش: يوسف الجهيني ربما، أو تلك الشيخة زليخة حليقة الرأس المجذوبة او فلاحة نحيلة من فلاحات ميت جهينة أو احد الدراويش الثلاثة ساكني الطاحون ،أو فأر راقص.
يبدو أني اخترت موقعا لي بين الحرافيش، ارحم عندي من المعسكر الثاني، المماليك والعسكر والجواري وما شابه، فمصر في هذا الزمن بلد من بلدين، من طبقتين ليس بينهما رابط. حرافيش وحكام. يشقى الحرافيش بالضرائب وغارات العسكر والرزق القليل والطاعون، ويشقى الحكام ببعضهم بعضا.
تدخل علي أختي بين الحين والآخر تداعبني وتقتطع علي القراءة، أنظر لها وأنا احمد الله على بيتنا الجميل وأهلنا المستورين.
أعود لأقرأ. هذا جزء عن سراديب الليل التي يختفي فيها كل المساجين الذين يغضب عليهم سلطان قائم، والذي غالبا يكون مصيره كذلك بعد شهر او شهرين من الحكم. يتلاعب بهم الدوادار ويغلبه قايتباي ليحكم بضع وعشرون سنة ليموت على سريره نادبا حظ ابنه الذي سيخلفه فهو اضعف من ان يحافظ على الحكم في مواجهة ثعالب المماليك.
ليس شيئا مرتبطا بين تلك الاحداث وما يلم بالحرافيش. ليس ما يربط بين اعلى المدينة واسفلها غير غارات مفاجئة من العسكر على الحواري والجحور،ليقتلوا ويسبوا ويذبحوا.
ماذا أقرأ بالله عليك أيها المرض. هل تلك رواية عن ثلاثون عاما انقضوا منذ خمسمائة عام؟ هل هذا حق؟ هل هذا زمن مختلف وشخوص مختلفة وسيناريو مختلف؟ هل تترك لي شيئا من العافية.. والأمل
أنهض عن سريري كالمحاربة ، وأخذ مكاني بين أفراد أسرتي وأمام التلفزيون، هاهي منى الشاذلي لا تترك ما بقى من عظم مجهد حتى تدق عليه وتذيع علينا تقريرا عن حرافيش البلد الواقفون في طوابير لاستخراج شهادات ميلاد لأولادهم حتى تشملهم رحمة الدعم وعطايا التموين من كيلو أرز وكيلو سكر وشيئا من الزيت لكل فرد.

No comments:

Post a Comment